حدثني صديقي الذي قدم استقالته مع نهاية العام الميلادي، معبراً عن ابتهاجه من الخروج من بيئة عمل ضاغطة و مدير لا يتقن إلا فن اللوم و وضع المزيد من اللوم على مرؤوسيه، حدثني عن مدى فرحته و ابتهاجه و تطلعه لبيئة عمل أفضل، وحديثه أعاد لي ذكريات جميلة قديمة و لعلها متجددة، إذ أنني أذكر ذلك الشعور الجميل والغامض الذي أحسست فيه في كل مرة بدأت فيها “من جديد”.
تذكرت كل مرة استقلت فيها من عملي، وليس بالضرورة لأنه كان عملاً سيئاً، لكن أحياناً فقط لأني أبحث عن بداية جديدة مع عمل جديد يتناسب أكثر مع تطلعاتي، كما تذكرت كل مرة تركت فيها مدينة كنت أعيش فيها، لأبحث عن بداية جديدة في مدينة جديدة و بلد جديد. تذكرت أيضاً كل علاقة إنسانية متعبة، أنهيتها كي أبدأ مع أشخاص يتلاءمون معي أكثر و أشعر بنفسي معهم أكثر.
هذا الشعور الغامض و الغريب بالبهجة و الحماس الذي يأتيك عندما تبدأ بداية جديدة، يا ترى هل يأتيك حقاً من البداية الجديدة، أم يأتيك من نهاية قديمة لم تكن مرتاحاً فيها، فأنت تفرح إذ أنهيتها؟!
لا شك أن هناك شعوراً بالرضى يترافق مع إنهاء كل ما هو متعب و مؤلم وغير مناسب، ولكني أعتقد أن هذا الشعور مختلف عن شعور البداية الجديدة، إذ ليس بالضرورة أن تحمل البداية الجديدة إنهاءً لما هو مؤلم قديماً على قدر ما تكون استكشافاً لما هو آت.
في كل مرة بدأت فيها بتأسيس عمل جديد، وأنا لا أعلم أينجح أم يفشل وفي كل مرة بدأت فيها باستكشاف منتج جديد، وأنا لا أعلم هل سيكون مطلوباً أم لا وفي كل مرة بدأت مشروعاً جديداً و أنا لا أعلم هل سيحقق توقعات العميل أما لا، كان هذا الشعور موجوداً و بقوة.
لعله إذاً شعور المحب للمخاطرة، واستكشاف آفاق جديدة مجهولة، ولعل هذا الشعور موجود فقط لدى أولئك الذي يعشقون المخاطرات و التحديات و لا يركنون إلى مناطق راحتهم، إلا لاستراحة قصيرة هي استراحة محارب يعودون بعدها لاستكشاف ماهو جديد؟ لعله ذاك
وبينما أنا في غمرة هذه الأفكار، تذكرت مكاناً فريداً وحيداً، لازلت أحن إليه مذ كنت صغيراً ولا زال الشوق يعصف بي لزيارته، تذكرت بيتنا القديم، و أشعة الشمس التي تتسلل على استحياء في فصل الشتاء، كي تدفأ ما تستطيع من برودة قد عشعشت في أثاث قديم، ولعله ليس المكان ولكن من عاش في هذا المكان و ملأ علي حياتي صغيراً و كبيراً. ياترى هل تكون هناك لي بداية جديدة من مكان قديم قد حفر في ذاكرتي، وهل يمكن أن يكون التجدد عوداً على بدء من المنابع الأصلية؟!
سؤال أتركه في عهدتك أخي القارئ، ولك أن تجيب عليه بينك وبين نفسك أو أن تشاركني الإجابة.
لعلنا كلنا نحتاج هذا الشعور وهذه البداية الجديدة، التي نضغط فيها على الزر السحري، زر إعادة الضبط، فيرجع كل شيء للبدايات الجميلة!
هذه الخاطرة أشارككم إياها في بداية عام ميلادي جديد راجياً أن يجعله الله عاماً مباركاً حاملاً كل خير لكم ولجميع أحبابكم، وكل عام و أنتم بخير
مقال فى منتهى الرقى معنى وصياغة
تحياتى
شكرا جزيلا لكم