كلما زادت سنين العمل و الخبرة، كلما وجدتني أميل أكثر إلى المقاربات الإدارية البسيطة و الأدوات البسيطة، رغم خلفيتي الهندسية و اتقاني للعديد من التقنيات كمايكروسوفت بروجكت، و بريمافيرا و غيرها إلا أنني اليوم أفضل استخدام الورقة و القلم و اللوح الأبيض أكثر من أي شيء آخر، وهذا لا يعني اني لا أؤمن بأهمية الأدوات التقنية، ولكني أعتقد أن تبسيط الأمور إلى أبعد حد ممكن يؤدي إلى نتائج أسرع و يجعل التواصل أبسط و أسرع مع أصحاب المصلحة و كل من له علاقة بالعمل أو المشروع.
ومنذ فترة قريبة أهداني أحد زملائي الأعزاء كتاباً جميلاً هو “Measure What Matters” يعرض فيه مؤلفه “John Doerr” كيف استطاعت شركات عملاقة مثل جووجل أن تستخدم مقاربة إدارية غاية في البساطة تدعى “الأهداف و النتائج الأساسية OKRs” لإعطاء التنفيذ “execution” دفعة هائلة و تحفيز الفريق على العمل و الإنجاز بصورة غير مسبوقة.
والحقيقة أن الكتاب على كونه ممتعاً في القراءة، إلا أنه ينحو منحىً تاريخياً بعض الشيء عن تاريخ نشوء هذه المقاربة وكيفية تطبيقها في شركات متعددة، لذا أحببت أن ألخصه لكم كالتالي:
تتقدم مقاربة OKRs خطوة عن مقاربة الإدارة بالأهداف المعروفة “Management By Objectives MBO” من ناحية أنها كما ذكرت سابقاً تركز على دفع التنفيذ، و يكون ذلك عن طريق توضيح ما هي النتائج الأساسية Key Results KRs التي يتوقف عليها تحقيق الهدف Objective، و للتذكير فإن مقاربة الإدارة بالأهداف MBO والتي وضعها البروفسور المشهور بيتر دروكر والذي ينسب إليه أيضاً المبدأ المعروف “لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه” تعتمد على الخطوات التالية:
- تحديد الأهداف التي نريد إنجازها في العمل على مستوى المؤسسة
- بناء على الأهداف التي حددناها في الخطوة الأولى نقوم بتحديد الأهداف المطلوب إنجازها من كل موظف
- مراقبة الأداء و التقدم باتجاه تحقيق الأهداف بشكل مستمر
- تقييم الأداء
- التصحيح و التوجيه
- التقييم و المكافأة تبعاً للأداء
وعلى الرغم من شهرتها الواسعة فإن الإدارة بالأهداف:
- لا تربط التخطيط بالتنفيذ، إذ لا يوجد ربط بين الأهداف و النتائج
- لا تتعامل مع المتغيرات بالسرعة الكافية، إذ أن وضع الأهداف يتم عادة بشكل سنوي لا يراعي التغييرات الكثيرة التي يمكن أن تحدث خلال السنة
- تركز على ربط تحقيق الأهداف بالمكافآت، بدلاُ من ربطها بالنتائج الفعلية للتنفيذ
- يتم فيها الاتفاق على الأهداف بخصوصية بين كل مدير و مرؤوسيه
- يتوقع فيها من كل طرف تحقيق الهدف كاملاً 100%
وللتغلب على هذه المساوئ، قام أندي جروف Andy Grove والذي أصبح لاحقاً مدير مجلس إدارة شركة إنتل للمعالجات بتعديل منهجية MBO لتركز على الأمور التالية:
- ربط التخطيط بالتنفيذ بشكل مباشر عن طريق التعبير عن الهدف بالنتائج الأساسية المتوقعة KR، فبينما يتم وضع الهدف للتعبير عن “ماذا نريد أن نحقق” يتم تحديد النتائج الرئيسية للتعبير عن “كيف نحقق ذلك” على سبيل المثال:
- الهدف Objective: أن نقوم بإطلاق المنصة الإلكترونية للبيع الإلكتروني
- النتائج الأساسية Key Results:
- حجز الدومين قبل تاريخ 15 يناير 2020
- الانتهاء من التصميم قبل تاريخ 20 فبراير 2020
- الانتهاء من البرمجة قبل تاريخ 1 مارس 2020
- انتهاء الاختبار الكامل قبل تاريخ 30 مارس
- يتم وضع الأهداف و النتائج الأساسية على مستوى ربع السنة Quarter وذلك للتأكد من فعالية التعامل مع المتغيرات بسرعة ولتحفيز التنفيذ أيضاً
- تركز على ربط المكافآت بالإنجاز أي مرة أخرى بالتنفيذ
- تشجع جداً مبدأ الشفافية، حيث يتم نشر الـOKRs على مستوى المؤسسة بشكل كامل بهدف مرة أخرى تعزيز ودفع التنفيذ وكذلك بهدف أن تكون الرؤية واضحة لكل فريق المؤسسة بحيث يستطيع أي موظف أن يعرف دوره في العمل المؤسسي وفي تحقيق الأهداف المؤسسية. كما يساعد ذلك أيضاً في التأكد من وجود الانسجام و المحاذاة alignment على كل المستويات في المؤسسة
- عند صياغة الأهداف تصاغ بشكل يرفع السقف إلى أقصى حد ممكن aggressive ، ذلك أنه إذا كانت الأهداف سهلة التحقيق أو حتى متوسطة السهولة، أدى ذلك إلى عدم ظهور روح التحدي لدى فريق العمل. الـ OKR تتميز بالرغبة بإشعال روح التحدي لدى فريق العمل إلى أقصى حد ممكن، عن طريق رفع سقف الأهداف حتى تكاد تبدو أحياناً غير منطقية. وهنا أريد أن أنضيف أنني تعلمت من خبرتي، أن أفضل أداء تحصل عليه من نفسك عندما تضع نفسك تحت الضغط، وتحدد لنفسك هدفاً سامياً، أما إذا كانت أهدافك متواضعة كانت النتائج أقل من متواضعة
- عطفاً على النقطة السابقة، لا يتوقع من فريق العمل تحقيق 100% من الهدف أو النتائج الأساسية، بل يعتبر من الجيد تحقيق 70% فأكثر من الهدف وذلك بسبب طريقة صياغة الأهداف كما ذكرت سابقاً
- تشجع الـ OKRs البساطة إلى أقصى حد ممكن، فعادة لا يتم وضع اكثر من 3-4 أهداف مع 4-5 نتائج رئيسية لكل مستوى، وتكون عادة المستويات ثلاثة: مستوى المؤسسة، مستوى الفريق أو الإدارات، ومستوى الأفراد.
ولتطبيق هذه المقاربة الجميلة والبسيطة هناك خط زمني أو OKR Cycle يتم وضعه و متابعته ولعلنا نفرد له مقالاً آخر بعونه تعالى
ماذا عنك أخي القارىء الكريم، هل تستخدمون MBO في مؤسستكم أم OKR أم شيء آخر؟ شاركنا التجربة
لللاسف لم نصل لا لاستخدام هذه و لا تلك
مقال رائع.
ونحن نضعها. لكن على مستوى السنوات وليس ربع سنة!
وننتظر المقال القادم المرتبط بدورة متابعة التقدم.
شكرا مهندس
رائع بارك الله فى حضرتك ، نستخدم الإدارة بالاهداف نوعا ما