في إحدى الدورات التدريبية الموجهة لرواد الأعمال الشباب، سألني شاب متحمس عن رأيي في إمكانية إطلاق العمل الخاص مع المحافظة على الوظيفة، كما سألني عن رأيي في موضوع اتخاذ شركاء في العمل، هل أحبذه أم لا
و لأنني بالفعل أفهم تماماً أهمية الإجابة عن هذين السؤالين لكل من خاض أو يرغب بخوض هذه التجربة قررت أن أفرد مقالاً في ذلك.
أولاً، يجب أن نعلم أن قرار إنشاء عملك الخاص، قرار يعتمد بالدرجة الأولى على مدى استعدادك و تقبلك لاتخاذ المخاطر أو ما نسميه باللغة الانكليزية Risk Appetite، فهذا القرار يتطلب قدراً من الجرأة لا يتوفر لدى جميع الناس وهذا من حكمة الله سبحانه أن سخر بعض الناس لبعض، فلو كان كل الناس لديهم الجرأة على بدء مشاريعهم الخاصة، فمن أين نأتي بالموظفين؟!
و الحقيقة أن نسبة قليلة من الناس لا أظنها تتجاوز 15% يقومون بالفعل باتخاذ هذه الخطوة و التي قد تحمل الكثير من الخطورة، كما قد تحمل الكثير من النجاح أيضاً. تذكر هنا أن القاعدة العامة في مجال إدارة الأعمال أن الأرباح تتناسب طرداً مع المخاطر، فالوظيفة لن تجعلك مليارديراً بأي حال من الأحوال، لكنها تعطيك شعوراً بالأمان و الاستقرار، والعمل الحر قد يجعلك مليونيراً و قد يجعلك تخسر كل ما لديك
تذكر أيضاً أن التأخر في اتخاذ هذه الخطوة يضعف من إمكانية احتمالها، إذ أن الطبيعي أنه مع التقدم في العمر تزداد المسؤوليات و بالتالي يصعب لدى النفس البشرية اتخاذ مخاطر و تميل إلى الاستقرار و الأمان، فإذا كنت تفكر في إنشاء مشروعك الخاص و أنت ترى توافر عوامل النجاح فيه فحاول أن لا تتأخر في ذلك
ثانياً، قد تستطيع في الفترة الأولى من إطلاق عملك الخاص أن تحافظ على وظيفتك ولكن هذا لن يستمر طويلاً و الواقع العملي يقول أن هذا يستحيل و لا يمكن أن يكون لديك وظيفة ناجحة و عمل ناجح في نفس الوقت (ما لم تكن طبعاً موظفاً في عملك) إذ لا بد عند نقطة معينة أن تتخذ القرار بالتضحية بأحدهما. ليكن ذلك معلوماً لديك قبل أن تبدأ عملك ثم تصل إلى النقطة التي لا تستطيع فيها أو لا تمتلك الجرأة على التضحية بوظيفتك فتقرر التضحية بكل ما تعبت من أجله
ثالثاً، لا أنصحك أبداً أن تخوض هذه الرحلة الخطرة (تأسيس العمل الحر) وحيداً، فهي بالفعل رحلة محفوفة بالمخاطر و متعبة و منهكة ووجود من يقف بجانبك مهم جداً لنجاح هذه الرحلة، وورد في الأثر الحديث القدسي قوله تعالى: “أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهم” حتى لو توفرت لديك القدرة المادية على القيام بالعمل وحيداً فأنا أشجعك بقوة على اتخاذ شريكاً و لكن بشروط:
- أن يكون لدى هذا الشريك بالفعل قيمة مضافة، يستطيع تقديمها لك قد يكون التمويل أو جزء منه و قد يكون العلاقات التي لديه و قد تكون سمعته الطيبة و قد تكون أشياء أخرى. المهم أن تجد لدى هذا الشريك القيمة المضافة للمشروع
- أن يكون هناك تطابق شبه كامل في قيم العمل و القيم الأخلاقية و الإنسانية. إن عدم وجود هذا التطابق يحكم على هذه الشراكة بالفشل حكماً سواء على المدى القصير أم الطويل وهناك آلاف الشواهد على ذلك عندما لا يتفق الشركاء على القيم الأساسية للعمل فتبدأ الخلافات تدب و ينتهي الأمر بالفراق و الذي غالباَ ما يحمل الكثير من الخسائر المادية و المعنوية والنفسية للشركاء أو بعضهم
- أن يكون هناك أيضاً تطابق في الرؤية، فما الذي نطمح للوصول إليه بهذه الشركة و أين نرى أنفسنا بعد سنوات عديدة؟ الأفضل أن يكون هذا التطابق موجوداً وإلا كان من الطبيعي أيضاً أن يحصل الفراق
وبالفعل أرى أن عملية اختيار الشريك في العمل لا تقل أهمية أبداً عن أهمية اختيار الشريك في الحياة (الزوج أو الزوجة) إذا لم تكن أكثر أهمية
نسأل الله لشبابنا التوفيق فلا زلت ألمس هممهم العالية و طموحاتهم اللامحدودة ولعل الله أن يجعل على أيدهم ما يصلح أمر هذه الأمة ويكون سبباً في إعمارها و تحقيق المطلوب من خلافة الإنسان في الأرض ودمتم بخير
كلام منطق ويحاكي الواقع
كلام صحيح ,اتفق معك تماما
اعتقد بان كل النقاط التي ذكرتها واقعية وحقيقية …فالعمل الخاص يحتاج منا الي خبرات ومهارات اولا ومن ثم قوة الارادة لتحمل كل ماقد يحدث من بزل جهد ومبالغ مالية وبزل زمن ايضا
فلك خالص الشكر