رن المنبه الساعة الثامنة صباحاً فاستيقظت متثاقلاً، ثم شعرت أنني لا زلت بحاجة إلى نصف ساعة أخرى من الاستلقاء فأغمضت عيني و عدت إلى النوم من جديد.
بعدها بساعة كنت أتناول طعام الإفطار على مهل فيما أرتب في ذهني أولوياتي لليوم الجديد، و عندما انتهيت صببت لنفسي مزيداً من القهوة و أنا أفتح بريدي الالكتروني لمطالعة رسائل العمل و الرد على المهم منها ووضع علامات المتابعة على تلك التي تحتاج المزيد من الردود المفصلة.
يتصل صديقي الذي لم أره منذ فترة و يسألني فيما اذا كنت أرغب أن أتناول طعام الغداء معه، فأعود لجدولي اليومي بسرعة و أقرر أن أؤخر بعض الأعمال للمساء، فتلك فرصة لرؤيته و مناقشة المستجدات في سوق العمل و ربما إيجاد بعض الفرص للعمل سوياً على مشاريع جديدة.
و بينما أقود سيارتي مستمتعاً بهواء لطيف في هذا الوقت من السنة، يخطر على بالي أنني قبل بضع سنوات فقط وفي مثل هذا اليوم، استيقظت مرعوباً لأنني تأخرت 10 دقائق عن العمل و جريت مسرعاً إلى مكان الوظيفة و أنا أفتش عن أعذار في عقلي، أقدمها لمديرة الموارد البشرية في الشركة كي لا تخصم من مرتبي العزيز، بينما كان لقاء أحد الأصدقاء أو الخروج للنزهة في وقت العمل ضرباً من ضروب الخيال “اللاعلمي”
عندما تقدمت باستقالتي في نهاية ذلك العام، أذكر كيف نظر إلي صديقي بقلق و هو ينفث دخان سيجارته و قال “هل أنت بخير؟” أحسبه ظن أنني جننت، فمن ذا يتنازل عن وظيفة و منصب مرموق و مرتب محترم و يقفز إلى المجهول؟!
لا أخفيك قارئي العزيز أنني شعرت بالقلق، بل و ربما فكرت فعلاً بالتراجع عن الاستقالة، فكل من أخبرته أنني استقلت أمتلأت عيناه قلقاً، فهل جننت أنا كي لا أقلق لقلقهم؟!
الشهر الأول بعد الاستقالة كان من أبطأ الشهور و أسعدها في نفس الوقت، منحت لنفسي كل القدر من الحرية للاستيقاظ متأخراً و الخروج يومياً مع الأولاد و العائلة، لكن في داخلي قلق عميق من الآتي، لن يكون هناك مرتب في المصرف آخر الشهر!
الشهر الثاني تركز على التفكير في الخطوات التالية و محاولة إيجاد أي أعمال صغيرة ذات مردود سريع، تجعل رصيدي في المصرف على الأقل يتناقص بأبطأ ما يمكن
الشهر الثالث و الرابع، وضعت كل خبرتي و أخطائي معاً لأصل إلى أفضل نموذج عمل لمشروعي الجديد. مشروعي الجديد الذي سوف يأكل جل الرصيد و يجعلني على المحك مع عائلتي.
الشهر الخامس و السادس، أكاد لا أجد للنوم سبيلاً، هل سأنجح، أم سأعود مستجدياً وظيفة و ابدأ من الصفر ككل مرة؟!
الشهر السابع و الثامن، أنا سعيد، فقد حققت بعض المبيعات و هي على قلتها أثبتت شيئاً واحداً على الأقل، أن نموذج العمل الذي وضعته بالفعل يعمل، و أغفو و أنا على أمل بيوم جديد و انجاز جديد
الشهر التاسع و العاشر، أنا أعيش الإنجاز، و أولئك الذي شككوا بسلامة تفكيري و قراري يسارعون اليوم لعرض مساعدتي في العمل الجديد و الدخول في شراكة معي.
دعنا نتفق قارئي العزيز، أنه لا يمكن لكل الناس الدخول في هذا النوع من المخاطرات، و هذا من التنوع الذي فرضه الله سبحانه و تعالى على البشر فدرجة القدرة على تحمل المخاطر تختلف من شخص إلى شخص آخر و هذا ما نسميه في إدارة المخاطر بـ Risk Tolerance، ولو أن كل الناس كان لديهم هذا الشغف في متابعة أحلامهم، فمن أين نجد موظفين؟
الشيء المهم أن تعلم دائماً، أنه بدون مخاطر لن يكون هناك قطاف للثمرات، و أن تعلم أيضاً أن احتمالات الخسارة الفادحة واردة و يجب أن تضعها بالحسبان، و لكن ما أريد أن أخبرك إياه أيضاً أنك عندما تذوق طعم الحرية من “عبودية الوظيفة” فلن تفكر أبداً بالرجوع إلى ذلك القفص الذهبي.
أريد أن أخبرك أيضاً أن هناك ما يسمى بالإدمان على المخاطر Risk Addiction، وهذا ما يجعل رواد الأعمال يعيدون التجربة مرة تلو مرة و يتقلبون بين نجاح و فشل، حتى يصلوا إما إلى القاع أو إلى القمة، و لعله من الأفضل أن يتعلم الانسان أيضاً متى يجب أن يتوقف عن المغامرة.
و الآن عزيزي القارئ، من أي صنف أنت؟
الصنف الذي يستمتع و يسعى للمخاطر risk taker
أم الصنف الذي يخشاها و يبتعد عنها risk averse؟
مقال أكثر من راااائع .. وهذا بالفعل مابدأت بفعله منذ ٤ أشهر .. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والنجاح والسداد
بالتوفيق في رحلتك الجديدة عزيزي
باش مهندس بيهس الأخ العزيز لقد غامرت فعلاً و استقلت من القفص الذهبي و لا أنوي الرجوع إليه و أنا الآن في منتصف الطريق ألملم خبراتي المتواضعة من علوم ولغات لأبدأ مرحلة جديدة و ما توفيقي إلا بالله
بالتوفيق اخي حسام. استعن بالله ولا تعجز
مقال مفيد جدا يجعلنا نفكر في ماذا بعد
جزاك الله خيرا على نصائحك القيمة
واياكم أخي الكريم
حينما يكون المردود المادي للوظيفة شيئ لا يستحق ان يذكر حتى وحين تصبح الوظيفة شيء جامد لا تمنح صاحبها مجالا لتطوير ذاته وقدراته فمن الأفضل عندها الاستقالة والبحث عن عمل آخر ينمي قدرات الفرد ويصقل خبراته وتجاربه في الحياة .
المقال ممتاز وسوف انفذ ما نفذفه الباشمهندس وسوف الحلقه عن نفسي في عمل خاص اجد نفسي فيه شكرا فقد أمرت لي الطريق. شكرا. مهندس صالح بحيري
بالتوفيق ان شاء الله
أريد المغامرة وترك الوظيفة بما تحمله من مخاطر ولكن المخاطر المتواجدة في السوق خصوصا التقلبات الإقتصادية في مصر تجعلني أتراجع لإيجاد الوقت المناسب الإنطلاق.
أشكرك على المقالة الرائعة.
كلما ازدادت الالتزامات الشهرية كلما كان التمسك بالدخل الثابت أكبر
تحياتي بشمهندس بيهس
صحيح. الأمر يعتمد على شهيتك لأخذ المخاطر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مع التحية أخي بيهس،
هل يُفهم من المقالة أنك تركت الوظيفة دون وجود خطة واضحة للخطوات التالية التي تنوي عملها؟ فبحسب ما قرأت، في الشهر الثاني تركز على التفكير في الخطوات التالية و محاولة إيجاد أي أعمال صغيرة ذات مردود سريع….
بحسب إطلاعي فإن الأغلب ينصح بوجود مشروع بدأ يدور قبل ترك الوظيفة، وعلى صعيد آخر قد يكون من الصعب تأسيس المشروع مع استهلاك الوقت والجهد بالوظيفة، فما رأيك هل تجد بأنه من الممكن ترك الوظيفة قبل تأسيس المشروع في حالة وجود بعض الأفكار الطموح لكن لم يتم البدء بتنفيذها ؟
لم تكن لدي خطة كاملة وواضحة وإنما مجموعة أفكار واتبعت مبادئ الرشاقة للوصول إلى ما أريد