تقول الحكاية أن رجلاً يلبس ملابس فخمة وساعة رولكس توقف بجانب قطيع من الأغنام متحدثاً إلى الراعي، سيدي إذا استطعت أن أقول لك كم تعداد قطيعك بالضبط، هل تعطيني إحدى غنماتك؟. هز الراعي رأسه متعجباً وموافقاً، وفي لحظة أخرج الرجل من حقيبته جهازاً محمولاً وقام ببعض الحسابات على ملف الاكسل، ثم طبع تقريراً من طابعة محمولة يحدد فيه أنواع وأعداد أفراد القطيع. هل هذا صحيح يا سيدي؟ ، فأجاب الراعي متعجباً نعم، فأخذ الرجل أحد أفراد القطيع ووضعه في حقيبة السيارة.
على رسلك، قال الراعي.. إذا أخبرتك ماذا تعمل هل تعيد لي ما أخذت؟ هز الرجل رأسه موافقاً أن نعم قال الراعي للرجل أنت استشاري إداري. تعجب الرجل وصاح نعم وكيف عرفت!؟ قال الراعي لأنك ظهرت فجأة من العدم وقدمت لي معلومات أعرفها مسبقاً ولم أطلبها منك وحددت أجرك على ذلك، والآن هلا تفضلت بإعادة كلبي الذي وضعته في حقيبة السيارة!
ما رأيكم، هل هذا ما يقوم به فعلا استشاري الأعمال؟
للأسف هذه النكتة لم تأت من فراغ. الكثير من المشاريع الاستشارية تكون هذه نتيجتها بالفعل، أن الاستشاريين يقدمون تقارير ضخمة برسومات بيانية كثيرة لا تقدم في معظم الأحيان شيئاً جديداً لا تعرفه أو تتوقعه الإدارة، فهل هذا هو بالفعل دور الاستشاري؟ ولنبدأ أولاً بالتعريف، من هو الاستشاري؟
بكل بساطة الاستشاري الإداري هو الشخص أو الشركة التي تقدم نصيحة للإدارة تستطيع من خلالها تحسين أداءها، لكن لحظة ،كيف يمكن للاستشاري أن يقدم نصائح لإدارة قضت سنين طويلة في هذا العمل بينما هو قد لا تتجاوز خبرته بضع سنوات؟؟ هذا السؤال مهم
الأمر الأول أن الاستشاري يكون قد تخصص في الإدارة أو الهندسة الصناعية في دراسته (غالباً تستقطب الشركات الاستشارية حملة MBA) وهذا يعطيه إطلاعاً جيداً على أفضل الممارسات والمعايير المستخدمة في المجالات المختلفة. معظم قيادات الشركات للأسف لا تتمتع بهذه الدراسة خصوصاُ الشركات العائلية
الأمر الثاني هو أن الشركات الاستشارية بالفعل تبني نماذجها وأدواتها القوية في الإدارة عن طريق خبراتها الإدارية الطويلة و استشارييها من الصف الأول وبالتالي لديها ما نسميه قوي ويتم تدريب الاستشاريين الآخرين على هذه الأدوات والنماذج والمساهمة في تطويرها وتعزيزها
الأمر الثالث وربما الأهم، أنك تجد الإدارة غالباً منشغلة في المعارك اليومية الجانبية مما يفقدها التركيز على الصورة الكبيرة وهنا يأتي دور الاستشاري كمراقب خارجي ينظر إلى الصورة الكبيرة بدون أن ينشغل بالتفاصيل الصغيرة والمعارك اليومية
وأخيراً وليس آخراً الاستشاري شخص (فردي أو اعتباري) مستقل، وبالتالي لا يحابي أحداً بعكس بعض القيادات التي تضطر أحياناُ إلى محاباة هذا الطرف أو ذاك بسبب السياسة في بيئة العمل ولذا يعطي الاستشاري رأيه المستقل بدون خوف أو ضغط
والآن بالعودة إلى النكتة السابقة، يحصل بالفعل أن كثيراً من الشركات الاستشارية لا تعين الاستشاريين الذين يملكون الخبرة اللازمة بالفعل للتعامل مع المشاكل الإدارية الموجودة وبالتالي لا يستطيعون إضافة أي قيمة حقيقية للعميل، عدا بعض التقارير والرسومات البيانية الملونة، التي يعلق عليها العميل قائلاً، لقد كنت أعرف ذلك مسبقاً لكن شكراً لأنك وضعتها في تقرير جميل!