عن الأسباب الجذرية لضعف الأداء المؤسساتي

في إحدى المنصات الاجتماعية طرح أحدهم سؤالاً، برأيكم ما هي الأسباب الجذرية لعدم اكتمال المشاريع في الوقت المحدد وضمن الميزانية المحددة؟

الكثير من الإجابات كانت تتركز حول التواصل، ضعف التخطيط، عدم وجود منهجية جيدة لإدارة المشاريع، عدم وجود نظام معلوماتي جيد لإدارة المشاريع وغيرها، وطبعاً كلها أسباب فيها وجهة نظر، لكن هل نستطيع فعلاً أن نسميها أسباباً جذرية؟ عندما نشير إلى سبب بأنه جذري، فنحن غالباً نبحث عن أصل المشكلة، ذلك الشيء الذي طالما بقي، بقيت المشكلة فإذا اختفى اختفت المشكلة، وغالباً يتم تحديد الأسباب الجذرية عن طريق تحليل عظم السمكة او إيشيكاوا أو ما يسمى بطريقة “لماذا-لماذا” إذ نستمر في السؤال لماذا حصل ذلك حتى نصل إلى جواب نقف عنده، فإذا كان الجواب سوء تخطيط فلماذا لدينا سوء تخطيط، وإن كان الجواب ضعف مهارات، فلماذا نشكو من ضعف المهارات وإن كان الجواب، عدم توظيف المهارات المناسبة، فلماذا لا نوظفها وهكذا..

الحقيقة أنه بمجرد أن وقعت عيني على السؤال خطر على بالي ذلك الشيء المخيف، والذي اعتبره أصل الشرور في كل مؤسسة صغيرة كانت أم كبيرة، ألا وهو ثقافة بيئة العمل culture والتي يقول عنها بيتر دروكر أحد خبراء الإدارة المعروفين أنها تتناول الاستراتيجية كإفطار صباحي (أي مهما كانت استراتيجيتك جيدة تستطيع ثقافة العمل أن تقضي عليها بسهولة إذا كانت سيئة) والمقصود بثقافة العمل تحديداً القيم التي تظهر في تصرفات العاملين في المؤسسة مثل الالتزام، التحفيز، خدمة العميل، الإخلاص، المثابرة، تجاوز التوقعات (في حال كانت قيم إيجابية وعكسها إن كانت قيم سلبية)

فهل يا ترى إن قمنا بتوظيف أفضل المهارات وجهزناها بأفضل المعدات سنحصل بالنتيجة على أفضل النتائج؟ الجواب بالطبع لا، لأن هذه المهارات والمعدات لن تعمل بشكل صحيح وتعطي النتائج المطلوبة في بيئة تغلب فيها قيم التنافس اللاأخلاقي، والغش والخداع والأنانية مثلاُ، ولو تمعنا لوجدنا أن العكس صحيح أيضاً، فالبيئة التي تنقصها الكثير من المهارات والمعدات والبرامج الاحترافية، لكن تتمتع بثقافة وقيم إيجابية سوف تأتي بنتائج أفضل حتماً من سابقتها لأن الكل سوف يعمل منضبطاً بهذه القيم التي تحثه على الالتزام والإخلاص وتجاوز التوقعات وغيرها.

لذا لا تتعجب عزيزي القارئ أن تقوم شركة استشارية تعتبر ربما الأفضل عالمياً بوضع إطار لتقييم أداء المؤسسات يركز على القيم المشتركة كأساس لكل شيء وهو الإطار المعروف ب 7S من شركة McKinsey

لا بد أنك الآن تتساءل عزيزي القارئ، كيف نعمل على بناء بيئة عمل بالثقافة والقيم الصحيحة؟

الجواب يأتي من القيادة. القيادة هي المسؤولة عن تحديد القيم الصحيحة والصحية التي يجب زرعها في بيئة العمل والاستثمار بها وتعظيمها بقوة وفي نفس الوقت يجب أن تقوم بإقصاء أي قيم سلبية أو سيئة، فإذا أهملت القيادة هذا الشيء ترى الأمر غالباً يعود إلى الأفراد وربما تظهر بعض القيم السلبية والإيجابية وبشكل عشوائي وربما تختلف حتى من موظف لآخر.

أستطيع أن أجزم أن هذا الكلام ينطبق على أي منظومة بما فيها الأسرة، ولذا كثيراً ما كنا نفرق بين “التربية” التي تتعلق بزرع القيم الصحيحة و”التعليم” الذي يتعلق بتزويد الأطفال بالمهارات المناسبة

شاركوني آراءكم وتجاربكم أيها الإخوة و الأخوات في بيئات العمل لديكم، وكيف هي ثقافة العمل الراجحة عندكم

اترك رد