في العام المنصرم، اضطررت للسفر بشكل شهري تقريبًا بالطائرة، وعلى الرغم من حبي عمومًا للسفر ومقابلة وجوه جديدة وأصدقاء قدماء، إلا أن هناك لحظة معينة في كل رحلة طيران تثير قلقي وهي لحظة الإقلاع. أتساءل فيها بيني وبين نفسي ما الذي سوف يجعل هذا “الديناصور” يطير حاملًا معه عشرات الناس بأحلامهم وأشواقهم وتوقعاتهم ومخاوفهم، وأيضًا حقائبهم؟ ربما أقلق قليلًا عند الهبوط، لكن ليس بنفس الدرجة إذ أنه من المنطقي أن ينزل هذا الديناصور بثقله عائدًا إلى الأرض، أما أن يطير فهذا شيء آخر تمامًا، ماذا لو فشلت إحدى محركاته على حين غرة، أو قام بمناورة خاطئة فانقلبت بنا الأمور رأسًا على عقب.

 

حضرني هذا الأمر، عندما كنت أناقش خطة عمل جديدة مع أحد الزملاء، ممن ينوون الاستقلال بعملهم الخاص، إذ لفت انتباهي أنه وضع تقديرات “متواضعة” لتكاليف إطلاق العمل؛ لأنه كما يرى في مرحلة البداية والتأسيس ويجب التوفير إلى الحد الأقصى بما أن الدخل في هذه المرحلة يتوقع أن يكون ضعيفًا جدًا. عندها تمامًا خطر لي أن أسأله وكيف تتوقع من هذا الديناصور أن يطير؟

 

الحقيقة أن المنطق يفرض العكس تمامًا، إن أصعب مرحلة وأهم مرحلة في إنشاء عمل ما هي “الإطلاق”، هي تمامًا بمثابة مرحلة انطلاق الطائرة إلى الأجواء العليا، تستلزم منك أن تجمع أهم الكفاءات في فريق العمل وأن تزود العمل بكل ما يلزمه من موارد أساسية وموارد احتياطية، حتى تضمن انطلاقة سليمة توصلك إلى الارتفاع المطلوب، فإذا وصلت إلى الارتفاع المطلوب، هان عليك الأمر وربما قمت بتشغيل “الطيار الآلي” لمتابعة رحلتك إلى هدفك.

 

أنت بالتأكيد تريد أن تنجح في إطلاق عملك، فلا تبخل عليه في هذه المرحلة بالذات. تأكد من أن يكون لديك أفضل منتج وأفضل قائد أو مدير، وأفضل فريق، وأفضل بيئة عمل واستعد لمصاريف التسويق والتجهيز وخدمة العملاء، فما سوف تفعله في أيامك الأولى والانطباع الذي سوف تتركه لدى عملائك هو غالبًا ما سوف يقرر مسيرة عملك إلى الأبد، وإلا كنت عزيزي القارئ كشركة طيران أرادت بزعمها أن تحقق مكاسب سريعة ومرتفعة فاستأجرت طائرة مهترئة وربانًا خبرته ضعيفة وطاقم طيران لم يتدرب بشكل كاف على التعامل مع الركاب بحجة خفض التكاليف، ثم لم تزود الطائرة بالوقود الكاف، وتوقعت بعد كل ذلك ان تطير هذه الطيارة وتصل إلى هدفها.

 

قد تقول أن إمكانياتي محدودة و بالتالي لا أستطيع أن أقوم بتأمين كل الموارد المطلوبة، في هذه الحالة دعني أدلك على تكتيك جيد يساعدك في النجاح، خفف من حجم الديناصور قدر الإمكان لكي يسهل طيرانه، و قصدي بذلك أن تبدأ بمنتج واحد أساسي أو نموذج ناجح لعملك بأقل إمكانيات متاحة بشرط أن تتوافر فيها متطلبات العميل و الجودة العالية، و عندها تستطيع أن تحلق به عالياً بجهد أقل، فإذا استقر في السماء محلقاً أضفت له ما في جعبتك من منتجات أو خصائص و مميزات أخرى

 

فكر معي مليًا في هذا الأمر أيها القارئ العزيز وسوف تفهم تمامًا، لماذا تنجح فقط ١٠٪ من الأعمال الناشئة و”تسقط” الـ ٩٠٪ الأخرى…

اترك رد