إضاءات رشيقة على نموذج التميز المؤسسي EFQM

عزيزي القارئ، لا شك أنك سمعت كثيراً بـ “التميز المؤسسي” وتساءلت عما يعنيه، وكيف تستطيع أن تجعل مؤسستك من المؤسسات “المتميزة”، لذا إليك هذه المقال الذي وضعته من مقاربة تجمع بين نموذج التميز المؤسسي الصادر عن الهيئة الأوروبية لإدارة الجودة عام 2019 ومعايير إدارة المشاريع المختلفة وخاصة الإدارة الرشيقة.

يستند هيكل نموذج الهيئة الأوروبية لإدارة الجودة EFQM إلى منطق بسيط يتمثل في الإجابة على الأسئلة التالية:

  • لماذا تم إنشاء هذه المؤسسة وما الغاية التي تسعى لتحقيقها، ولماذا هذه الاستراتيجية بالذات (التوجه)
  • كيف تنوي المؤسسة تحقيق هذه الاستراتيجية (التنفيذ)
  • ما الذي تنوي المؤسسة تحقيقه (النتائج)

لاحظ عزيزي القارئ أن البساطة والمنطق البسيط من أهم قيم الإدارة الرشيقة Agile وتعرف البساطة بأنها “تعظيم العمل الذي لا يتوجب إنجازه” وهكذا فإن هذه الأسس الثلاثة هي كل ما نحتاجه بالفعل كي نصل إلى التميز في العمل المؤسسي.

من الواضح طبعاً أنه يجب أن يكون هناك معايير نستطيع من خلالها تحديد وقياس هذه الأسس الثلاثة فالقاعدة العامة في الإدارة تقول “لا يمكن إدارة ما لا يمكن قياسه”، لذا فإن نموذج التميز المؤسسي الأوروبي حدد هذه المعايير كما يلي:

معايير التوجه:

  1. الغاية والرؤية والاستراتيجية: تخيل عزيزي القارئ سفينة تسير بدون اتجاه محدد، إلى أين ستصل؟ بالتأكيد إلى “اللامكان” وجود غاية (نسميها أحياناً رسالة”) ورؤية (إلى أين نريد أن نصل) مهم جداً لمعرفة وتحديد وتحفيز الفريق على العمل، فإذا كنت تعمل في مكان لا تعرف ما هو الغاية التي يسعى لتحقيقها وإلى أين سيصل في النهاية، فعاجلاً أم آجلاً سوف تبدأ بالتساؤل عما إذا كنت في المكان الصحيح. كذلك الأمر فيما إذا كان قبطان السفينة يعرف مهمة السفينة ويعرف إلى أين تريد أن تصل ولكنه لا يعرف كيف يقود السفينة إلى ذلك، وهو ما نسميه الاستراتيجية، فإن هذا بلا شك سيخلق إحباطاً فريقاً للفريق. من جانب آخر تؤكد الإدارة الرشيقة على أهمية وجود رؤية مشتركة لكل المعنيين وضرورة أن يقوم القائد بتوكيدها وتوضيحها باستمرار بأدوات ذات وضوح عالي وشفافية عالية
  2. الثقافة المؤسسية والقيادة: هل سبق لك أن سمعت القول المأثور “الثقافة تتناول الاستراتيجية على الفطور”؟ نعم ما لم يكن هناك ثقافة عمل صحية وداعمة للسياق الاستراتيجي فبالتأكيد ستبتلع الثقافة السيئة أي استراتيجية جيدة وتحولها إلى فتات، أم القيادة فهي المسؤولة عن بناء هذه الثقافة الصحية ودعمها باستمرار، ولا نعني هنا بالقيادة فقط الإدارة العليا وإنما نشجع ممارسة هذه القيادة على كل المستويات كي تكون قدوة، وفي الإدارة الرشيقة نشجع ما نسميه القيادة الناشئة emergent leadership حيث نؤمن أن تعدد القيادات لمبادرات متعددة شيء صحي يجب تعزيزه في العمل المؤسسي

معايير التنفيذ:

  • إشراك المعنيين: هل لك أن تتخيل عزيزي القارئ ما الذي يمكن أن يحصل إذا تجاهلت القيادة وجهة نظر أو متطلبات العملاء وفريق العمل والموردين والجهات الناظمة وغير ذلك من المعنيين؟ أظن أنك ستوافق معي على أن النتيجة كارثية، فبدون تحديد هذه المتطلبات بدقة والتعامل معها باستمرار وقياسها باستخدام التغذية الراجعة فأنت تقود في الظلام. يشمل ذلك أيضاً الحوكمة التي تضبط الأسس التي سوف يتم التعامل وفقها مع المعنيين من شفافية، وسلوك أخلاقي ومساءلة وثقة متبادلة. الشفافية العالية وإشراك المعنيين stakeholder engagement  من المبادئ المهمة في الإدارة الرشيقة.
  • بناء قيمة مستدامة: إذا كنت تريد لمؤسستك أن تستمر وتنمو وتكبر، فالكلمة المفتاحية هنا هي “القيمة Value” والتي تعني الأشياء التي يكون العملاء مستعدون للدفع مقابلها، والتي نبنيها لهم وفق الغاية والرؤية التي حددناها لأنفسنا. تذكر أن العملاء قد يغيرون آرائهم بسرعة في ماهية الأشياء التي يرغبون بالحصول عليها مقابل نقودهم، لذا فأنت معني كثيراً بمتابعة وقياس ذلك إذا أردت لمؤسستك أن تستمر. من جانب آخر فإن الإدارة الرشيقة تؤكد على الإنجاز المقاد بالقيمة value-driven delivery حيث أن القيمة هي التي تقودنا بالاتجاه الصحيح عند العمل، وترتب أولوياتنا من ناحية الإنجاز. تذكر أيضاً أن القيمة تكمن في تجربة العميل الشاملة من قبل إلى ما بعد البيع.
  • قيادة الأداء والتحول: في حين أن المؤسسة حتماً تريد قيادة عملياتها التشغيلية بنجاح، فإنها يجب أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار التغييرات الداخلية والخارجية، وخاصة في عصرنا الذي أصبح فيه المتغير هو الثابت الوحيد. إذا كنت تعتقد عزيزي القارئ أنك تستطيع أن تتابع العمل بنفس الطريقة لعدة سنوات وتحصل على نفس الكفاءة فأنت مخطأ تماماً فمنافسوك أصبحوا في هذا الوقت بالتأكيد أكثر ذكاء وابتكاراً ويقومون بنفس عملك في نصف الوقت وضعف الكفاءة. من جانب آخر تركز الإدارة الرشيقة على تمكين الابتكار والاختراع وتشجيع الفريق على تجربة أفكار جديدة وطرق جديدة في العمل عن طريق تقديم بيئة آمنة لهم تسمح لهم بالتجربة والخطأ. تذكر عزيزي القارئ، أنه من المبادئ الأساسية في الإدارة الرشيقة أن الاستجابة للتغيير مقدم على اتباع خطة محددة

معايير النتائج:

  • انطباعات المعنيين: كيف نستطيع قياس النجاح في عملنا؟ بكل بساطة عن طريق قياس النتائج، فهل كون المعنيون انطباعات جيدة عن طريق التعامل معنا؟ من المهم معرفة وقياس ذلك عن طريق الاستطلاعات والاستبيانات والشكاوى وغير ذلك. تذكر أننا لن نهمل أي مجموعة من المعنيين، بما في ذلك المجتمع ككل (السمعة)
  • الأداء الاستراتيجي والتشغيلي: هل حققنا بالفعل الإنجازات المحدد والمطلوبة؟ ما هي إنجازات قيادة الأداء وماهي إنجازات قيادة التحول؟ هل حققنا بالفعل الانطباعات المطلوبة لدى العملاء؟ وما هي مقاييس التوقعات المستقبلية؟

هذه باختصار عزيزي القارئ المعايير التي استند إليها نموذج EFQM وهي كما ترى بسيطة وسهلة الفهم ولكن تطبيقها قد يكون شيء آخر، وتماماً كما نقول في الإدارة الرشيقة أنها سهلة الفهم صعبة التطبيق easy to understand, difficult to master، ولعلنا نعود لهذا الموضوع في مقالة أخرى

اترك رد